فصل: الشاهد السابع والتسعون بعد السبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.مديونة:

وهم من إخوة مغيلة ومطماطة من ولد فاس كما قلناه وكانت مواطن جمهورهم بنواحي تلمسان ما بين جبل بني راشد لهذا العهد إلى الجبل المعروف بهم قبلة وجدة يتقلبون بظواعنهم في ضواحيه وجهاته وكان بنو يلومي وبنو يفرن من قبلهم يجاورونهم من ناحية المشرق ومكناسة من ناحية المغرب وكومية وولهاصة من جهة الساحل.
وكان من رجالاتهم المذكورين جرير بن مسعود كان أميرا عليهم وكان مع أبي حاتم وأبي قرة فتنتهم وأجاز إلى الأندلس في طوالع الفتح كثير منهم فكان لهم هنالك اسفحال وخرج هلال بن أبزيا منهم يشتد به على عبد الرحمن الداخل متبعا شقيا المكناسي في خروجه ثم راجع الطاعة فقتله وكتب له على قومه فكان بشرق الأندلس وشنتمرية ثم خلفه بها من قومه نابتة بن عامر ولما تغلب بنو توجين وبنو راشد من زناتة على ضواحي المغرب الأوسط وكان مديونة هؤلاء قد قل عددهم وفل حدهم فداخلتهم زناتة على الضواحي من مواطنهم وتملكوها وصارت مديونة إلى الحصون من بلاده بجبل ما ساله وجبل وجده المعروف بهم وضربت عليهم المغارم وتمرست بهم الأيام فلم يبق منهم هنالك إلا صبابة محترفون بالفلح ومنهم أيضا أوزاع في القبائل مندرجون فيهم وبنواحي فاس ما بينها وبين صفرون قبيلة منهم مجاورة لمغيلة والله يرث الأرض ومن عليها.

.كومية:

وهم المعروفون قديما بصطفورة أخوة مطاية ومضغرة وهم من ولد فاتن كما قدمنا ولهم ثلاث بطون منها تفرغت شعوبهم وقبائلهم وهي ندرومة ومغارة وبنو يلول فمن ندرومة مفوطة وحرسة ومردة ومصمانة ومراتة ومن بني يلول مسيقة ورتيوة وهشبة وهيوارة ووالغة ومن مغارة ملتيلة وبنو حباسة وكان منهم النسابة المشهور ماني بن مصدور بن مريس بن نقوط هذا هو المعروف في كتبهم وكانت مواطن كومية بالمغرب الأوسط لسيف البحر من ناحية أرشكول وتلمسان وكان لهم كثرة موفورة وشوكة مرهوبة وصاروا من أعظم قبائل الموحدين لما ظاهروا المصامدة على أمر المهدي وكلمة توحيده.
وربما كانوا رهط عبد المؤمن صاحبه وخليفته فإنه كان من بني عابد أحد بيوتاتهم وهم عبد المؤمن بن علي بن مخلوف بن يعلي بن مروان بن نصر بن علي بن عامر بن المير بن موسى بن عبد الله بن يحيى بن وريغ بن صطفور وهكذا نسبه مؤرخو دولة الموحدين إلى صطفور ثم يقولون صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن قيس عيلان بن مضر.
ويذكر بعضهم أن في خط أبي عبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فأما انتسابهم في قيس عيلان فقد ذكرنا أنه غير صحيح وفي أسماء هذا العمود من نسب عبد المؤمن ما يدل على أنه مصنوع إذ هذه الأسماء ليست من أسماء البربر وإنما هي كما تراه كلها عربية والقوم كانوا من البرابرة معروفون بينهم وانتساب صطفور إلى مطماط تخليط أيضا فإنهما أخوان عند نسابة البربر أجمع وعبد المؤمن بلا شك منهم والله أعلم بما سوى ذلك.
وكان عبد المؤمن هذا من بيوتاتهم وأشرافهم وموطنهم بتاكرارت وهو حصن في الجبل المطل على هنين من ناحية الشرق ولما نجح عبد المؤمن منهم وثب وارتحل في طلب العلم فنزل بتلمسان وأخذ عن مشيختها مثل ابن صاحب الصلاة وعبد السلام البرنسي وكان فقيها صالحا وهو ضجيع الشيخ أبي مدين في تربته ولما هلك عبد السلام هذا ولم يحذق تلميذه بعد في فنونه وكان شيخ عصره في الفقه والكلام تعطش التلميذ بعده إلى القراءة وبلغهم خبر الفقيه محمد بن تومرت المهدي ووصل إلى بجاية وكان يعرف إذ ذاك بالفقيه السوسي ونسبته إلى السوس ولم يكن لقب المهدي وضع عليه بعده.
وكان في ارتحاله من المشرق إلى المغرب قد أخذ نفسه مع تغيير المنكر الذي شأنه وطريقته نشر العلم وتبين الفتاوى وتدريس الفقه والكلام وكان له في طريقته الأشعرية إمامة وقدم راسخة وهو الذي أدخلها إلى المغرب كما ذكرناه وتشوق طلبة العلم بتلمسان إلى الأخذ عنه وتفاوضوا في ذلك وندب بعضهم بعضا إلى الرحلة إليه لاستجلابه وأن يكون له السبق باتحاف القطر بعلومه فانتدب لها عبد المؤمن بن علي مكانه من صغر السن بنشاطه للسفر لبداوته فارتحل إلى بجاية للقائه وترغيبه في نزوله تلمسان فلقيه بملالة وقد استحكمت بينه وبين العزيز النفرة وبنو ورياكل متعصبون على إجارته منهم ومنعه من إذايته والوصول إليه فألقى إليه عبد المؤمن ما عنده من الترغيب وأدى إليه رسالة طلبة العلم بتلمسان فوعاها وشأنه غير شأنهم.
وعكف عبد المؤمن عن التعليم والأخذ عنه ظعنه ومقامه وارتحل إلى المغرب في صحابته وصدق في العلم وآثره الإمام بمزيد الخصوصية والقرب بما خصه الله به من الفهم والوعي للتعليم حتى كأنه خالصة لإمام وكنز صحابته وكان يؤمله لخلافته لما ظهر عليه من الشواهد المدونة بذلك ولما اجتازوا في طريقهم إلى المغرب بالثعالبة من موطن العرب الذين ذكرناهم قبل في نواحي المدينة قربوا إليه حمارا فارها يتخذه له عطية لمركوبه فكان يؤثر به عبد المؤمن ويقول لأصحابه: إركبوه الحمار يركبكم الخيول المسومة ولما بويع له بهرغة سنة خمس عشرة وخمسمائة واتفقت على دعوته كلمة المصامدة وحاربوا لمتونة نازلوا مراكش.
وكانت بينهم في بعض أيام منازلتها حرب شديدة هلك فيها من الموحدين الألف فقيل للإمام إن الموحدين قد هلكوا فقال لهم: ما فعل عبد المؤمن؟ قالوا هو على جواده الأدهم قد أحسن البلاء فقال ما بقي عبد المؤمن فلم يهلك أحد ولما احتضر الإمام سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة عهد بخلافته في أمره لعبد المؤمن واستراب من العصبية بين المصامدة فكتم موت المهدي وأرجأ أمره حتى صرح الشيخ أبوحفص أمير هنتانة وكبير المصامدة لمصاهرته وأمضى عهد الإمام فيه فقام بالأمر واستبد بشياخة الموحدين وخلافة المسلمين ونهض سنة سبع وثلاثين وخمسمائة إلى فتح المغرب فدانت له غمارة ثم ارتحل منها إلى الريف ثم إلى بطوية ثم إلى مطالة ثم إلى بني يزناسين ثم إلى مديونة ثم إلى كومية وجيرانهم ولهاصة وكانوا يلونهم في الكثرة فاشتد عضده بقومه ودخلوا في أمره وشايعوه على تمكين سلطانه بين الموحدين وخلافته ولما رجع إلى المغرب وافتتح أمصاره واستولى على مراكش استدعى قومه للرحلة إليها والعسكرة عليه بحب جمهورهم إلى المغرب واستوطن مراكش لحمل سرير الخلافة والقيام بأمر الدعوة والذب عن ثغورهم والمدافعة فاعتضد بهم عبد المؤمن وبنوه سائر الدولة وكانوا بمكانتهم فاتحة الكتاب وتدراكه الجماعة وتقدموا في الفتوح والعساكر وأكلتهم الأقطار في تجهيز الكتائب تدويخ الممالك فانقرضوا وبقي بمواطنهم الأولى بقايا منهم: بنو عابدوهم في عداد القبائل الغارقة قد انقلب زمانهم فأمهلهم فحملوا المغرم وألفوا نهوضهم بالتكاليف ونظموا مع جيرانهم ولهاصة في سوم الخسف والذل واقتضاء الخراج بالنكال والعذاب والله مبدل الأمر ومالك الملك سبحانه.